أثرالعقد بالنسبة للغير droits

  أثرالعقد بالنسبة للغير droits
ذكرنا سابقاً المبدأ الأساسي المتعلق بالأشخاص المعنيين بمبدأ القوة الملزمة للعقد وهو: أن العقد لا ينفع ولا يضر غير عاقديه، ومن ينوب عنهم وخلفائهم، وهو مبدأ نسبية أثر العقود. فإن العقد لا يلزم إلا المتعاقدين، وفقاً لمبدأ سلطان الإرادة. فهو أداة تعبير عن الإرادة لا تلزم سوى أصحابها المباشرة أو غير المباشرة.
     فالأصل أن العقد لا ينشىء للغير حقوقاً ولا يلزمه بالتزامات، والمراد بالغير هنا هو كل من لم يكن طرفاً في العقد ولا خلفاً عاماً أو خاصاً للمتعاقدين، وإن كان الخلف العام والخاص قيد يعتبران في بعض الأحوال من الغير[1]. فمن الطبيعي، والعقد وليد التلاقي بين إرادتين، أن ينصرف أثره إلى طرفيه فلا يجاوزه إلى غيرهما، ومن ثم فإنه لا يجوز للمتعاقدين أن يرتبا التزماً في ذمة الغير، كما أن الحقوق التي تنشأ عن العقد تنصرف إليهما دون سواهما[2]. والقاعدة في شقها السلبي أكثر إطلاقاً منها في شقها الإيجابي، لذلك نصت المادة 113 على أنه " لا يرتب العقد التزاماً في ذمة الغير، ولكن يجوز أن يكسبه حقاً"[3]وهو أمر يتفق مع المنطق القانوني، وكذا مع مبادئ الحرية الفردية، وهو ما جرى عليه علماء الفقه الإسلامي؛ بحيث لا يجوز لأطراف العقد أن يحتجوا بالعقد لمطالبة الغير بتنفيذ إلتزام ترتب عليه، كما أنه لا يجوز للغير أن يتمسك به ليدعي حقاً نشأ له عنه، كما أن العقد هو واقعة قانونية لا يمكن للغير تجاهلها؛ مما يستوجب على الغير احترام العلاقة العقدية، وعدم المساس بمصالح المتعاقدين[4].
 وهناك استثناء، يستطيع المتعاقدان أن يحققاه نص عليه في المادة 113 ، وهو "التعهد عن الغير" (المطلب الأول) ؛ كما أشارت المادة في شطرها الثاني للإستثناء الهام المتعلق "بالإشتراط لمصلحة الغير" (المطلب الثاني) ، كما أن هناك استثناءاً يقع بقوة القانون-أشار إليه الشراح- وهو الدعوى المباشرة (المطلب الثالث).
وعليه نتناول في مطلبين منفصلين، أحكام التعهد عن الغير، وقواعد الاشتراط لمصلحة الغير؛ ثم نكرس مطلب ثالث لمبادىء الدعوى المباشرة.



المطلب الأول: التعهد عن الغير.

       قبل الخوض في دقائق وتفاصيل نظام التعهد، ينبغي بداية أن نبين مفهوم التعهد عن الغير (الفرع الأول) ، ثم شروطه (الفرع الثاني)، والأحكام الخاصة به (الفرع الثالث).

الفرع الأول:مفهوم التعهد عن الغير.

     تنص المادة 114 قانون مدني على أنه " إذا تعهد شخص عن الغير فلا يتقيد الغير بتعهده، فإن رفض الغير أن يلتزم، وجب على المتعهد أن يعوض من تعاقد معه، ويجوز له مع ذلك أن يتخلص من التعويض بأن يقوم هو بنفسه بتنفيذ ما التزم به. أما إذا قبل الغير هذا التعهد فإن قبوله لا ينتج أثراً إلا من وقت صدوره، ما لم يتبين أنه قصد صراحة أو ضمناً أن يستند أثر هذا القبول إلى الوقت الذي صدر فيه التعهد".
       يقصد بالتعهد عن الغير(La Promesse de porte-fort): أن يلتزم أحد الطرفين في عقد، في مواجهة آخر، بأن يجعل الغير يلتزم بأمر معين؛ فهو بعبارة أخرى: ذلك العقد الذي يتعهد فيه أحد الطرفين (وهو المتعهد) بأن يجعل شخصاً آخر، يلتزم بالتزام معين، قبل الطرف الآخر للعقد (يقال له عقد تعهد عن الغير). فيتمثل هذا الإلتزام في الحصول على إقرار الغير، لعقد أو تصرف قانوني أبرمه المتعهد لحسابه، دون أن يكون نائباً عنه. ومثاله أن يملك شخصان أرضاً على الشيوع مناصفة، فيبيع أحدهما هذه الأرض، فيتعاقد مع المشتري عن نفسه، ويتعهد لهذا الأخير عن شريكه الغائب، فيلتزم بالحصول على رضائه بالبيع، وكأن يجاوز الوكيل حدود الوكالة، في حالة لم يستطع الحصول على إذن من الموكل في شأنها في الوقت المناسب، فيتعهد بالحصول على رضا الموكل بخصوصها[5].
      إذن المتعهد يلتزم شخصياً في مواجهة المتعاقد معه بجعل أحد الأغيار يلتزم قبله، والتعهد بحمل الغير على التعاقد تصرف قانوني يقصد به مواجهة ظروف لا يمكن معها الانتظار للحصول على رضا صاحب الشأن[6]. فالتعهد عن الغير رهين بأن تكون هناك عقبة مادية أو قانونية، تحول دون الحصول على رضا المتعاهد عنه وقت التعاقد؛ كما أن التعهد عن الغير لا يتضمن أي استثناءات من مبدأ نسبية العقد، ذلك أن المتعهد عنه له مطلق الحرية في أن يلتزم أو لا يلتزم. فالتعهد في حقيقته القانونية هو عقد يلتزم بمقتضاه أحد طرفيه، بالحصول على إقرار الغير للعقد، أو لتصرف قانوني أبرمه لحسابه دون أن يكون نائباً عنه[7].
الفرع الثاني:شروط التعهد عن الغير.

       أشارت المادة 114 من القانون المدني إلى مقومات التعهد عن الغير، وهي ضرورة توفر الشروط التالية:

أولاً: أن يتعاقد المتعهد باسمه هو.

        يجب على المتعهد أن يتعاقد باسمه هو وليس باسم الغير الذي يتعهد عنه، حيث أن الغير الذي تم التعهد عنه ما يزال أجنبياً عن العقد؛ فهو يختلف من ثم عن الوكيل الذي يتعامل باسم الموكل (المادة 73 و571 مدني)، وعن الفضولي الذي يعمل باسم رب العمل ولمصلحته (المادة 150 مدني). أما المتعهد فإنه يتعاقد باسمه، وينصرف إليه أثر العقد (المادة 114 قانون مدني).
ولاشيء يمنع إضافة الكفالة إلى التعهد عن الغير، بحيث يكون المتعهد مسؤولاً، ليس فقط عن جعل الغير يقبل القيام بالأمر الذي يتعهد به (بأن يبرم العقد محل التعهد)، وإنما عن تنفيذه أيضاً.

ثانياً: أن تتجه إرادة المتعهد إلى إلزام نفسه.

        يجب أن تتجه إرادة المتعهد إلى إلزام نفسه لا إلزام الغير الذي تعهد عنه، وإلا كان التعهد باطلاً لاستحالة محل الإلتزام الناشئ عنه، إذ لا يمكن قانوناً أن يلزم شخص بإرادته شخصاً آخر، بمقتضى عقد لم يكن هذا الأخير طرفاً فيه.

ثالثاً: أن يكون محل التزام المتعهد هو الحصول على رضا الشخص الثالث.

        أي حمل الغير الذي تعهد عنه على قبول التعهد، ومن ثمّ. فإن التزام المتعهد هو إذا التزام بتحقيق نتيجة محددة، وليس التزاماً ببذل عناية. فالتعهد عن الغير صورته كما أشرنا، بأن يجعل غيره يقوم بالأمر الذي تعهد به، أي أن يقوم بإبرام عقد، فهو إذن يلتزم بالتزام بعمل، حيث تنقطع علاقته بين الطرفين بمجرد قبول المتعهد عنه للتعهد. وقال بعض الفقه بأن التزام المتعهد هو إلتزام بالضمان، على اعتبار أنه يواجه مسؤولية غير محدودة عن رفض الغير عن التعهد[8].
وعليه يعتبر المتعهد مخلاً بالتزامه، إذا لم يقبل الغير بتعهده، ولو أثبت أنه قد قام بكل ما في وسعه ليحمله على هذا القبول، ويكون بتعهده قد قبل تحمل تبعة عدم قبول الغير للتعهد.
ومما تقدم، يختلف التزام الكفيل عن التزام المتعهد: فالكفيل يضمن تنفيذ الالتزام قانوناً، إذا لم يف به المدين نفسه (المادة 644 وما بعدها من القانون المدني). أما المتعهد عن الغير فيأخذ على عاتقه إيجاد الالتزام، وينقضي من ثم التزامه بقبول هذا الأخير؛ إذ أنه ليس ضامناً لتنفيذه (المادة 114 فقرة 2 من القانون المدني). إنما ليس هناك ما يمنع. من أن يكفل المتعهد عن الغير تنفيذ الغير للتعهد، وفي هذه الحالة يصبح متعهداً عن الغير وكفيلاً[9].

الفرع الثالث:أحكام التعهد عن الغير.

      القاعدة أن التعهد لا يلزم إلا المتعهد، وللغير مطلق الحرية في قبول أو رفض التعاقد ولا يترتب على رفضه أية مسؤولية عليه ولو على أساس فكرة التعسف في استعمال الحق، لأنه أجنبي عن عقد التعهد، وهذا هو أساس اعتبار التعهد تطبيقاً لقاعدة نسبية آثار العقد[10].
      ويعتبر التعهد في الحقيقة إيجاباً معروضاً على الغير، وللغير حرية مطلقة في قبوله أو رفضه، لأن أثر العقد الذي يتضمن التعهد لا ينصرف إليه، فهو أجنبي أصلاً عنه؛ ولا يمكن أن ينشىء إلتزاماً في ذمته، ولهذا كان التعهد عن الغير تطبيقاً للقواعد العامة.
ويجب لإيضاح أحكام التعهد عن الغير، التفرقة بين فرضين أو احتمالين مهمين: أن ينجح المتعهد في جعل الغير يلتزم، أو أن يفشل في ذلك، ونعالج هذا فيما يلي:

أولاً: قبول الغير للتعهد.

        إذا أقر الغير التعهد صراحة أو ضمناً (كما لو قام الغير بتنفيذ التعهد)، ترتب على إقراره انصراف أثره إليه؛ وبإقراره يقوم عقد جديد بينه وبين المتعاقد مع المتعهد بدءاً من تاريخ الإقرار، أي منذ الوقت الذي علم فيه بالتعاقد مع المتعهد بهذا القبول، وليس من وقت التعهد، اللهم إلا إذا قبل الغير بأن يكون انعقاد هذا العقد بأثر رجعي. والإقرار هنا ينزل منزلة القبول من هذا العقد الجديد. وهو ما قصدته المادة 114 فقرة 2 من القانون المدني، حين نصت صراحة: "أما إذا قبل الغير هذا التعهد، فإن قبوله لا ينتج أثراً إلا من وقت صدوره، ما لم يتبين أنه قصد صراحة أو ضمناً أن يستند أثر هذا القبول إلى الوقت الذي صدر فيه التعهد[11].
فإنه يترتب على قبول التعهد إبرام عقد جديد كما ذكرنا، من حيث الأطراف والإلتزامات بين المتعهد عنه والغير، وانقضاء عقد التعهد بين المتعهد والمتعهد له بتنفيذ المتعهد لعين ما التزم به.
والقاعدة: أن العقد الجديد ينعقد في وقت صدور القبول من الغير وعلم الطرف الآخر به، ولا يستند إلى تاريخ صدور التعهد إلا إذا قصد الغير ذلك صراحةً أو ضمناً. مثلاً إذا قبل القاصر بعد بلوغه سن الرشد القسمة المعقودة بين سائر الورثة، إذ يفترض أنه قصد بهذا القبول الصادر منه بعد بلوغه سن الرشد أن يكون لهذا القبول أثر رجعي يستند إلى تاريخ وقوع التعهد والقسمة[12].
وعلى هذا الأساس ينبني على قبول الغير، أن يعتبر المتعهد قد أوفى بالتزاماته، والأصل أن لا شأن له بالتنفيذ، اللهم إلا إذا قضى الاتفاق بغير ذلك، ويرى شراح القانون المدني بأن الأثر الرجعي الذي يتقرر للقبول باتفاق الطرفين في مثل هذه الحالة، لا يسري على الغير الذين كسبوا حقاً قبل القبول وبحسن نية.
وجدير بالتنويه، أنه لا يشترط في قبول الغير شكل خاص، إلا إذا كان العقد المتعهد به عقداً شكلياً[13].

ثانياً: رفض الغير للتعهد.

للغير مطلق الحرية في إقرار التعهد أو عدم إقراره، فإن رفضه ظل أجنبياً عنه، دون أن يتحمل أي مسؤولية؛ ذلك أن الوعد لا يلزم إلا الواعد ذاته، فليس في القانون المدني ما يلزم الغير بالقبول (المادة 114 فقرة 1 قانون مدني)، فليس للواعد (المتعهد) أن يلوم هذا الشخص بما اتفق عليه، لأن العقد لا يرتب شيئاً في ذمة الغير إلا برضاه.
فلا يلتزم الغير بالتعهد الذي قطعه عنه المتعهد، والسبب أن هذا الأخير يعد أجنبياً عن التعهد، فلا يجوز إلتزامه قانوناً أو منطقاً بموجبه أو أن يضار به، إلا إذا قبل هو ذلك.
غير أن رفض الغير معناه: أن المتعهد قد أخل بالتزامه القائم أصلاً على حمل الغير على قبول التعهد، ومن ثم يجب عليه أن يعوض من تعاقد معه، ويقدر التعويض هنا وفقاً للمبادئ العامة في تقديره.
ويرى المشرع بأنه يجوز للمتعهد أن يتخلص من التعويض (فالأمر جوازي إذن)، بأن يقوم بنفسه بتنفيذ الالتزام الذي تعهد به، أي بالوفاء عيناً بالتعهد الذي ورد التعهد عليه. وهو ما نصت عليه المادة 114 فقرة 1 من القانون المدني صراحة بنصها: "إذا تعهد شخص عن الغير، فلا يتقيد الغير بتعهده، فإن رفض الغير أن يلتزم، وجب على المتعهد أن يعوض من تعاقد معه، ويجوز له مع ذلك أن يتخلص من التعويض بأن يقوم بنفسه بتنفيذ ما التزم به".
ومقتضى هذه المادة، أنه إذا تعهد شخص بأن يجعل الغير يلتزم بأمر، فلا يلزم الغير بتعهده، فإذا رفض الغير أن يلتزم، وجب على المتعهد أن يعوض من تعاقد معه ( المتعهد له)، عما أصابه من ضرر بسبب عدم تنفيذ هذا التعهد؛ إذا أمكن ذلك دون إلحاق ضرر بالدائن، ويستوي في ذلك أن يكون التعهد متعلقاً بالتزام بنقل حق عيني أو بعمل أو بالإمتناع عنه.
وأساس هذه المسؤولية التي يتحملها المتعهد، بالتعويض الذي يلتزم به عند إخلاله بتعهده تجاه من تعهد له، إنما هي المادة 114 من القانون المدني، ويتم تقدير هذا التعويض وفقاً للقواعد العامة (المواد: 176، 179، 181، 182، 183 و184 قانون مدني). ويستطيع المتعهد دفع المسؤولية عن نفسه، إذا ما أثبت أن سبباً أجنبياً حال دون قيامه بما تعهد به (المواد: 127، 172، 176، 307 قانون مدني)، غير أن مجرد امتناع الغير عن قبول التعهد، لا يعتبر سبباً أجنبياً في هذا الخصوص.
ومن جهة أخرى يرى الفقه والقضاء في فرنسا، أن المتعاقد مع المتعهد، لا يجوز له أن يجبره على تنفيذ الإلتزام الذي رفضه الغير، وأن المتعهد لا يجوز له أن يجبر المتعاقد معه على قبوله مديناً في الإلتزام الذي تعهد بحمل الغير على قبوله[14].
فللمتعهد أن يتلافى الحكم عليه بالتعويض بقيامه بتنفيذ الالتزام الذي رفض الغير قبوله، إذا كانت طبيعة الالتزام لا تأبى ذلك ولم يكن التنفيذ يقتضي تدخلاً شخصياً من جانب الغير. ويلاحظ أنه لا يجوز إجبار المتعهد على هذا التنفيذ العيني، لأن التزامه الأصلي هو دفع تعويض[15].
هذا وتجدر الإشارة في هذا الخصوص، إلى أنه في حالة قيام المتعهد هو بنفسه بتنفيذ الالتزام الذي تعهد، ما دام أن التنفيذ ممكن، ولم يتصل بشخص الغير؛ فإنه يكون التزام المتعهد في هذه الحالة التزاماً بدلياً، لا يشمل محله إلا شيئاً واحداً، ولكن تبرأ ذمة المدين (أي المتعهد)، إذا أدى بدلاً منه شيئاً آخر، وفقاً لأحكام المادة 216 فقرة1 من القانون المدني[16].





المطلب الثاني: الاشتراط لمصلحة الغير.

       الاشتراط لمصلحة الغير (La stipulation pour autrui) هو العملية القانونية التي بواسطتها يتفق شخص-المشترط- مع شخص آخر-المتعهد- بأن ينفذ الأخير أداء لمصلحة شخص ثالث –المنتفع- من الغير وليس طرفاً في العقد أو ممثلاً فيه، ويعتبر الاشتراط لمصلحة الغير أحد استثنائين حقيقيين على مبدأ نسبية آثار العقود من حيث الأشخاص إلى جانب الأول ويتعلق بالدعاوى المباشرة وهي التي تتقرر بصفة خاصة بنص القانون، وسنؤجل الحديث عنها لمطلب أخير[17].

الفرع الأول: تعريف الإشتراط لمصلحة الغير.

      الاشتراط لمصلحة الغير هو اتفاق بين المشترط والمتعهد، ينشأ عنه على عاتق الأخير حق للمنتفع      أو المستفيد، أو هو في عبارة أخرى شرط أو بند في عقد، ينشأ بمقتضاه حق لأجنبي أصلاً عنه، وصورته: أن يتعهد أحد المتعاقدين للآخر، بأن يلتزما قبل شخص ثالث، أجنبي أصلاً عن العقد، فينشأ له بمقتضى هذا الاتفاق حق مباشر[18].
ومن هنا، يعتبر الاشتراط لمصلحة الغير، استثناءاً حقيقياً على قاعدة نسبية أثر القوة الملزمة للعقد من حيث الأشخاص. فلا يقتصر أثر العقد على طرفيه ومن ينوب عنهما من الخلفاء والدائنين، بل قد ينصرف أثره إلى شخص أجنبي أصلاً عنه، ويرتب من ثم حقاً في ذمة شخص ثالث، ليس طرفاً فيه ولا خلفاً عاماً أو خاصاً.
وعلى ذلك يجوز أن يشترط أحد المتعاقدين على الآخر، أن يكسب شخصاً آخر غير المتعاقدين وخلفهما حق من العقد؛ وهو ما يشكل استثناءاً لمبدأ نسبية أثر العقود.
وأوضح مثال لذلك هو عقد التأمين على الحياة، فلنفرض أن زوجاً أمن على حياته لدى شركة تأمين بمبلغ 10.000 د.ج تدفع لزوجته، فإن الزوج يسمى المشترط، وشركة التأمين تسمى المتعهد، والزوجة تسمى المنتفع، ويكون عقد التأمين بين الزوج وشركة التأمين قد أنشأ حقاً مباشراً في مبلغ التأمين لمصلحة الزوجة دون أن تكون طرفاً في هذا العقد[19].
وقد نظم القانون المدني أحكام الاشتراط لمصلحة الغير، في المواد: 116[20]، 117 و118 منه، وقد تأثر المشرع في ذلك بنصوص التقنين الفرنسي، وكذا بما وصل إليه الفقه والقضاء في هذا الصدد[21].
فقد نصت المادة 113 من القانون المدني أنه: "لا يرتب العقد التزاماً في ذمة الغير، ولكن يجوز أن يكسبه حقاً"، وهذا معناه أنه وفقاً لمبدأ نسبية أثر العقد، لا تنصرف الحقوق الناشئة عنه والالتزامات المتولدة منه إلا على عاقديه. غير أنه يجوز الخروج عن هذا المبدأ بإرادة طرفيه في شقه الإيجابي (أي إنشاء الحق)، دون شقه السلبي (وهو تقرير الإلتزام)، طالما ليس هناك ضرر في ذلك.
التمييز بيت التعهد والاشتراط: ويجب التمييز ههنا، بين الاشتراط والتعهد عن الغير، ذلك أن التعهد عن الغير، ما هو في حقيقته إلا تطبيق للقواعد العامة التي تقضي بأن الغير لا يلتزم بعقد لم يكن طرفاً فيه، وأن التعهد إذا قبله الغير أصبح لدينا عقدان كما سبق أن ذكرنا. في حين أن الاشتراط لمصلحة الغير هو عقد يلتزم بمقتضاه شخص يسمى المتعهد، في مواجهة شخص يسمى المشترط، بأن يقوم بأداء معين لمصلحة شخص ثالث يسمى المنتفع أو المستفيد. وبذلك، يكون الاشتراط لمصلحة الغير هو استثناء على مبدأ نسبية العقد من حيث الأشخاص، وعلى أثره يكسب المنتفع أو المستفيد من هذا العقد حقاً بالرغم من أنه لم يكن طرفاً فيه. إذن فالإشتراط لمصلحة الغير يعتبر استثناء من قاعدة أن الأصل في العقد أنه نسبي لا يلزم إلا المتعاقدين وخلفهما ولا ينشىء حقوقاً إلا لصالحهم، ولا يلزم الغير ولا يرتب له حقاً. وخلافاً لما رأينا في التعهد عن الغير من أن فيه عقدين[22].

الفرع الثاني:  تطبيقات الإشتراط لمصلحة الغير.

       لقاعدة الاشتراط لمصلحة الغير تطبيقات عملية كثيرة، يمكن أن تصب في العديد من العقود، مسماة كانت أو غير مسماة[23]، ولو أن صورته المثلى تكمن في عقد التأمين. ذلك أن عقد التأمين، وخاصة عقد التأمين على الحياة مثلاً، يعتبر أهم تطبيق لها: فالمستأمن الذي يؤمن على حياته لمصلحة الغير، يشترط في عقد التأمين لمصلحته، ويكسب بالتالي حقاً مباشراً من العقد الذي كان أجنبي عنه. وعلى كل فإن عقد التأمين على المسؤولية يرتكز على حق يتكون للمضرور بحكم حصول الحادث الضار به، مما يسمح له الرجوع رأساً على شركة التأمين، إعتماداً على العقد الذي أبرمه المؤمن (بالفتح) عند تأمينه لوسيلة النقل لدى شركة التأمين[24].
      وهناك صور عملية كثيرة للاشتراط لمصلحة الغير، مثل واهب يقوم بعمل هبة ويشترط على الموهوب له رعاية أحد أقاربه من بعده، أو بائع يبيع منزله ويشترط على المشتري أن يسدد الدين الذي عليه لدائنه،     أو شركة تتفق مع طبيب على معالجة عمالها مجاناً، أو والد يبيع أرضه ويشترط على المشتري أن يدفع الثمن مرتباً لمدى الحياة لصالح ابنه[25].
       وكذا ما نجده في العقود الموجهة من شروط تفرضها الدولة على المحتكر لمصلحة الجمهور؛ أو ما نجده في عقود العمل أو المقاولات من شروط لمصلحة العمال يتضمنها دفتر الشروط، حيث يكسب العمال حقوقاً من عقد المقاولة تجاه المقاول مع أنهم لم يكونوا طرفاً في العقد؛ وهو ما نجده أيضاً في عقد بيع المتجر من شروط لمصلحة المستخدمين. وقد تدخلت الدولة لتحديد التعرفة والشروط في عقد النقل، ولتحديد القواعد الأساسية في عقد التأمين، وعقد العمل، ولتحديد القيمة الإيجارية في عقود الإيجار، وهذا لحماية الطرف الضعيف، ومراعاة للمصلحة العامة ومقتضيات النظام العام[26].
تكييف الاشتراط لمصلحة الغير: اختلف الفقهاء في تأصيل الاشتراط لمصلحة الغير، فرأى بعضهم أن حق المنتفع ينشأ عن التزام عن المتعهد التزم به بإرادته المنفردة، ولكن يعترض على هذا التكييف بأنه لو كان حق المنتفع يترتب على التزام المتعهد بإرادته المنفردة، ما كان للمتعهد أن يتمسك ضد المنتفع بالدفوع الناشئة عن العقد، ولكان نقض المشارطة للمتعهد لا للمشترط، ورأى بعض آخر أن المشترط يقوم بعمل من أعمال الفضالة لصالح المنتفع ولكن يعترض على هذا التكييف بأن الفضولي يقوم بعمل عاجل لصالح رب العمل، وبأن رب العمل ملزم نحوه بالنفقات، في حين أن المشترط يشترط الحق لمصلحة شخصية له وليس هناك أمر عاجل، ولا يلزم المنتفع بالتزامات، بل يتمخض الحق لمصلحته دون أي التزام جديد يترتب عليه، ورأى بعض الفقهاء أن حق المنتفع ينشأ عن حوالة حق من المشترط إلى المنتفع، ويعترض على هذا الرأي بأن حق المنتفع ينشأ من عقد الاشتراط مباشرة دون أن يمر بذمة المشترط ثم يحول إليه، ولو كان يدخل أولاً في ذمة المشترط لاعتبر ميراثاً عند وفاته، ورأى بعض الفقهاء تكييف الاشتراط بأنه إيجاب من المشترط أو من المتعهد، وفضلاً عن ذلك فلو كان يترتب على إيجاب من هذا أو من ذاك لوجب أن يقبله المنتفع وإلا فلن يترتب له، وقد رأينا أن الحق يثبت للمنتفع ولو لزم السكوت[27].
والحقيقة أن الرأي الذي يقترب من الصواب، والذي يتناسب مع المواد 116، 117 و118 من القانون المدني المنظمة للإشتراط[28]، أنه نظام استثنائي وضعه القانون للخروج عن قاعدة نسبية العقد التي تقضي بأن العقد لا يلزم الغير ولا يرتب له حقاً، وقد جاءت المادة 116 باستثناء لهذه القاعدة فأجازت أن يكسب العقد حقاً للغير، وإذن فمن العبث أن يبحث الفقه عن ارجاع هذا الاستثناء إلى قاعدة عامة في القانون،    أو عن إرجاعها إلى أحد الأصول المعروفة في القانون[29].

الفرع الثالث: شروط الاشتراط لمصلحة الغير.

      الاشتراط لمصلحة الغير يخضع في المقام الأول للشروط العامة لصحة الأعمال القانونية: الرضا، المحل والسبب. وعلى ذلك فالاشتراط المبرم بقصد تحقيق غرض غير مشروع، مثلاً التأمين على الحياة المبرم لمصلحة العشيقة للحصول على استمرار العلاقة غير الشرعية، يعتبر باطلاً[30].
      وقد نصت المادة 116 فقرة 1 من القانون المدني على أنه: "يجوز للشخص أن يتعاقد باسمه على إلتزامات يشترطها لمصلحة الغير، إذا كان له في تنفيذ هذه الإلتزامات مصلحة شخصية مادية كانت        أو أدبية". كما أشارت المادة 118 من القانون المدني إلى أن وجود المنتفع ليس لازماً عند صدور الاشتراط؛ أي أن الحق الذي ينشأ للمنتفع عن عقد الاشتراط، يجوز أن يترتب لمنتفع موجود عند الإشتراط، أو سوف يوجد فيما بعد، سواء كان المنتفع شخصاً طبيعياً أو شخصاً معنوياً. فإنه يجوز تعيين المنتفع في عقد الاشتراط أو في عقد لاحق إلى وقت أن ينتج الإشتراط أثره كاشتراط صاحب مدرسة على مديرها توظيف أول الخريجين[31].
وعلى ذلك فإن هناك ثلاثة شروط، يجب أن تتوفر حتى يقوم الاشتراط لمصلحة الغير، وهي كالآتي:

أولاً: تعاقد المشترط باسمه لا باسم المنتفع.

       وهو الشرط الأول بأن يتعاقد المشترط باسمه هو دون أن يتدخل المنتفع في العقد، وهذا الشرط هو الذي يميز الاشتراط لمصلحة الغير (المادة 116 قانون مدني) عن التعاقد بالنيابة(المادة 73 مدني)، كما يميزه عن الفضالة(المادة 150 مدني)[32]، فالفضولي يتعاقد نائباً عن رب العمل وليس باسم نفسه، وإذا أدخل المشترط المنتفع طرفاً في العقد فلا يكون هناك اشتراط لمصلحة الغير، لأن المنتفع أصبح طرفاً في العقد يلتزم بالتزاماته ويكسب من الحقوق التي تترتب عليه بصفته متعاقداً لا منتفعاً.
فإنه في النيابة والفضالة يتعاقد النائب أو الفضولي باسم الغير، وليس باسمه؛ كما هو الحال في المشترط الذي يتعاقد باسمه وفقاً للمادة 116 فقرة 1 قانون مدني[33]، وهذا ما يميز الاشتراط لمصلحة الغير عن النيابة، اتفاقية كانت أو قانونية. فالنائب، كما أسلفنا يتعاقد لحساب الغير الأصيل وباسم هذا الأصيل، فتنصرف آثار العقد مباشرة إلى ذمة الأصيل باعتباره طرفاً في العقد الذي يبرمه النائب وليس أجنبياً عنه[34].
وجود المتفع عند الاشتراط ليس لازماً: تنص المادة 118 على أنه " يجوز في الاشتراط لمصلحة الغير أن يكون المنتفع شخصاً مستقبلاً أو هيئة مستقبلة، كما يجوز أن يكون شخصاً أو هيئة لم يعينا وقت العقد متى كان تعيينهما مستطاعاً في الوقت الذي يجب أن ينتج العقد فيه أثره طبقاً للمشارطة"، إذن فالحق الذي ينشأ للمنتفع عن عقد الاشتراط يجوز أن يترتب لمنتفع موجود عند الاشتراط أو سوف يوجد فيما بعد، سواء كان المنتفع شخصاً طبيعياً أو معنوياً كمؤسسة أو مستشفى أو مسجد، وفي عقد التأمين مثلاً يجوز أن يؤمن شخص على حياته لمصلحة زوجة سوف يتزوجها في المستقبل، أو لمصلحة أولاد لم يولدوا بعد، والمهم هو أن يكون المنتفع موجوداً أو معيناً عند استحقاق الحق الذي نشأ لصالحه من الاشتراط، ففي عقد التأمين على الحياة مثلاً يجب أن تكون الزوجة أو الأولاد المؤمن لصالحهم موجودين عند موت المؤمن على حياته حتى يدفع لهم مبلغ التأمين، وهكذا فالدائن بالحق المترتب على الاشتراط قد لا يكون موجوداً عند العقد، ومع ذلك يترتب الحق لمصلحته، وهذا تصور لم يكن معروفاً في القانون الروماني أو الفرنسي القديم[35].
    وجدير بالتنويه في هذا الشأن، أنه يجب أن يتوافر التراضي بين المشترط والمتعهد، على أن ينشأ للمنتفع حق مباشر من هذا الاشتراط؛ ولا يلزم أن يتم الإشتراط في شكل خاص[36].
ثانياً: إشتراط المشترط حقاً مباشراً للمنتفع.

       وهو الشرط الثاني بأن يشترط المشترط على المتعهد حقاً مباشراً للمنتفع، فإذا اشترط الحق لنفسه ثم حوله بعد ذلك إلى المنتفع فلا نكون إزاء الاشتراط لمصلحة الغير، بل إزاء عقدين، الأول بين المتعاقدين وحدهما، والثاني حوالة حق إلى المنتفع وقد يكون دائناً حول إليه حقه، وإذا أمن شخص على حياته بمبلغ لمصلحة نفسه ثم مات وورثه أبناؤه في هذا التأمين فلا يكون عقد التأمين اشتراطاً لمصلحة الغير، ولا يتلق الورثة حقهم بمقتضى العقد، بل بمقتضى حقهم في الميراث، ولا يكون لهم مطالبة شركة التأمين كمنتفعين بل كخلف عام للمورث[37].
      فيجب أن تنصرف إرادة المتعاقدين إلى ترتيب حق مباشر للمنتفع، ينشأ مباشرة من العقد في ذمة المتعهد، بحيث لا يمر هذا الحق بذمة المشترط. فالمنتفع أو المستفيد يجب أن يكسب حقاً مباشراً من عقد الاشتراط، وهو لا يكسب هذا الحق من عقد بينه وبين المشترط، ولا بينه وبين المتعهد. وهنا تكمن الفكرة الأساسية في آلية الإشتراط لمصلحة الغير.
فإذا كان المشترط قد اشترط الحق لنفسه، فلا يقوم الاشتراط لمصلحة الغير، ولو عاد من العقد فائدة على الغير، كما لو أمن صاحب سيارة على مسؤوليته عن الضرر الذي يصيب الغير، إذ لا يعتبر هذا اشتراطاً لمصلحة الغير، لأن المؤمن يشترط لمصلحته لا لمصلحة المضرور[38]. وإن كان التعويض الذي يأخذ من شركة التأمين يعود على المضرور بالفائدة، غير أن سائر دائني المؤمن له يزاحموه ويشتركون معه فيه، وعلى ذلك لا يكون له حق مباشر من عقد التأمين ولا يكون له دعوى مباشرة ضدها، ولكن دعوى غير مباشرة وهي دعوى مدنية[39].
وقد توسع القضاء الفرنسي في افتراض وجود شرط ضمني لمصلحة الغير، كما فعل في عقد نقل الأشخاص، إذا افترض أن المسافر قد اشترط على شركة النقل لمصلحة ورثته، عندما يصاب بمكروه ولا يصل إلى نقطة الوصول سالماً معافياً[40].




ثالثاً: توافر مصلحة شخصية للمشترط في الاشتراط.

       مادام المشترط يتعاقد باسمه ولحسابه فلابد أن تكون له مصلحة شخصية في الاشتراط لمصلحة الغير وإلا كان فضولياً، ذلك أن المصلحة الشخصية هي التي تفرق بين الفضالة والاشتراط لمصلحة الغير[41].
      وجود مصلحة شخصية للمشترط من المميزات الأساسية لعقد الاشتراط، بحيث يؤدي تخلفها إلى بطلانه؛ فهي التي تخول للمشترط حقوق المتعاقد، حتى بعد أن يظهر المنتفع رغبته، فيكون له أن يطالب المتعهد بتنفيذ ما عليه للمنتفع. كما يكون له أن يطلب الفسخ، وأن يدفع بعدم التنفيذ، وهذان أمران لا يملكهما المنتفع لأنه ليس طرفاً في العقد، وقد صرحت المادة 116 فقرة 1 قانون مدني على إبراز أن تكون هذه المصلحة الشخصية، مادية كانت أو معنوية؛ وذلك لأن شرط المصلحة يمثل ما يسمى بالسبب في الالتزامات. وتكون المصلحة مادية كمدين يؤمن على حياته لمصلحة دائنه، ليستوثق هذا الأخير من الحصول على حقه؛ كما تكون معنوية أو أدبية كأب يؤمن على حياته لمصلحة أولاده، أو واهب يشترط على الموهوب له دفع عوض على سبيل الصدقة لمصلحة جهة من جهات البر[42].
     وقد كان هذا الشرط محل انتقاد، إذ لا يتصور أن يقوم شخص بترتيب حق لشخص آخر دون أن تكون له مصلحة ولو أدبية في ذلك، غير أن التطور القانوني لنظام الاشتراط هو الذي قضى بضرورة هذا الشرط، إذ كان القانون الفرنسي القديم يستلزم أن يشترط المشترط حقاً لنفسه حتى يستطيع أن يرتب حقاً لغيره، ثم تطور القانون وأصبح يكتفي بأن تكون للمشترط مصلحة في الاشتراط، ثم تطورت القوانين الحديثة واكتفت بأن تكون له مصلحة معنوية[43].
وسواء كانت المصلحة أدبية أو مادية، فإنها في الحالتين ينبغي أن تكون مشروعة لا تخالف النظام العام      أو الآداب العامة؛ فذلك هو ما يشترطه الفقه بالرغم من عدم وروده في النص. والحقيقة أن عدم مشروعية المصلحة تختلط بعدم مشروعية الباعث الدافع. ومن هنا، فإن العقد يبطل لعدم مشروعية السبب (المادة 97 قانون مدني) [44].
    هذا وقد يشترط المشترط لمصلحة المنتفع دون أن يكون له دور شخصي في هذا الاشتراط، لا مشترطاً لنفسه ولا متعهداً. فيكون ذلك صحيحاً متى كانت له مصلحة أدبية في ذلك، من ذلك الاتفاق بين الأم ووالد ابنها على أن يتعهد الأب ترتيب إيراد للإبن أو القيام بنفقات تعليمه في الخارج دون أن تلتزم الأم بشيء قبل الأب، فإن هذا الاتفاق صحيح ينشىء اشتراطاً لمصلحة الابن؛ لأن الأم لها مصلحة شخصية أدبية في التنفيذ لصالح الابن ولا تقوم بعمل الفضولي، فهي مدفوعة بعامل الأمومة لا بعامل المروءة.

الفرع الرابع: آثار الإشتراط لمصلحة الغير.

      ينعقد الاشتراط باتفاق المشترط والمتعهد، ولكنه ينتج آثاراً في مواجهة الغير، تتعلق آثار الاشتراط لمصلحة الغير بثلاثة أشخاص وهم: المشترط، والمتعهد، والمنتفع كما ذكرنا. ومن هذا، يتعين لبيان أحكام الاشتراط، أن نحدد علاقات كل واحد منهم بالآخر؛ ومن ثم نتطرق لعلاقة المشترط بالمتعهد، ثم نعرض علاقة المشترط بالمنتفع، وأخيراً نبحث في علاقة المتعهد بالمنتفع.

أولاً: العلاقة بين المشترط والمتعهد.

       يحكم علاقة المشترط بالمتعهد العقد الذي تم فيما بينهما، فينتج العقد آثاراً في حقهما كمتعاقدين، يلتزم كل من المشترط والمتعهد بتنفيذ الالتزامات التي نشأت في ذمتهما، بمقتضى الاشتراط ووفقاً لبنوده وشروطه المتفق عليها. فإذا قصر أحدهما في الوفاء. جرى حكم القواعد العامة المتعلقة بتنفيذ الالتزامات؛ فيجوز لكل منهما أن يطلب التنفيذ العيني، ولو بالوسائل الجبرية إذا كان ممكناً، أو يطلب التعويض في حالة الإخلال بالإلتزام، كما يجوز له أن يطلب الفسخ، أو يدفع بعدم التنفيذ[45].
      وللمشترط على الخصوص، لما له من مصلحة شخصية، أن يطالب المتعهد بتنفيذ إلتزامه نحو المنتفع، إلا إذا تبين من العقد أن المنتفع وحده هو الذي يجوز له طلب ذلك (المادة 116 فقرة 3 قانون مدني).
فلو باع شخص محله التجاري لآخر واشترط أن يبقى العمال فيه، كان للمشترط أن يطالب المتعهد بتنفيذ التزامه بإبقاء العمال في المحل التجاري، وفقا للعقد الذي يحدد العلاقة بينهما، وأن يطالب بإجباره على ذلك، أو التعويض إذا أخل بهذا الإلتزام[46]، فيرفع دعوى باسمه لا باسم المنتفع للمطالبة بذلك لأنه ليس أجنبياً عن العقد، إلا إذا تبين من العقد أن المنتفع وحده هو الذي يجوز له ذلك، ولكن يجوز أن يتفق في العقد على قصر المطالبة على المشترط وحده دون المنتفع، كما إذا اشترطت الحكومة على إحدى شركات الاحتكار شروطاً لمصلحة الجمهور، واحتفظت لنفسها وحدها، دون أفراد الجمهور، بالحق في المطالبة بتنفيذ هذه الشروط[47].
      إذن فالعلاقة بين المتعاقدين المشترط والمتعهد تحكمها شروط العقد المبرم بينهما، فلكل منهما أن يطالب بتنفيذ الالتزامات الناشئة عن هذا العقد، ولما كان للمشترط مصلحة شخصية في قيام المتعهد بتنفيذ ما التزم به لمصلحة المنتفع، فإن له أن يرفع عليه دعوى باسمه هو كمتعاقد يطالبه بتنفيذ هذا الإلتزام، كما أن للمنتفع أيضاً أن يرفع دعوى بذلك بمقتضى حقه المباشر، ويجوز أن يرفع الإثنان دعوى ضد المتعهد لتنفيذ ما التزم به نحو المنتفع، غير أن هذه الدعوى تكون قاصرة على المنتفع وحده إذا تبين من العقد أنه هو وحده صاحب الحق في رفع هذه الدعوى [48].

ثانياً: العلاقة بين المشترط والمنتفع.

      قد تكون هذه العلاقة علاقة تبرع وقد تكون علاقة معاوضة، بحسب الغرض الذي أبرم عقد الاشتراط من أجله، فقد يكون المشترط متبرعاً للغير (المنتفع)، وقد يكون مشترطاً للغير وفاءاً لدين له في ذمته[49].
وتتحدد هذه العلاقة وفقاً لطبيعتها القانونية، بحسب ما إذا كانت علاقة تبرع لصالح المنتفع، أم علاقة معاوضة؛ أي ضرورة التفرقة بين حالة ما إذا كان المشترط يستهدف من الاشتراط التبرع للمنتفع، أو قضاء دين له عليه:

أ-فإذا كان المشترط قد أراد أن يتبرع للمنتفع:  طبقت على العلاقة بينهما القواعد الموضوعية للتبرع، ولا حاجة لاستيفاء الشكل الواجب في الهبة، لأن الهبة من طريق الاشتراط تكون هبة غير مباشرة، لا تستلزم فيها الرسمية. غير أنه يجب أن يكون المشترط أهلاً للتبرع[50]، كما أنه يجوز الرجوع في الاشتراط، إذا لم يوجد مانع من موانع الرجوع في الهبة، مع مراعاة الأحوال التي يجوز فيها للواهب أن يرجع في هبته، وخاصة أحكام المادة 211 من قانون الأسرة[51].
وإذا كان عقد الاشتراط قد صدر في مرض الموت، جرى عليه حكم الوصية، بحسب ما إذا كان المنتفع وارثاً أو أجنبياً، وفقاً للمواد 408 و776 من القانون المدني، و184 و204 وما بعدها من قانون الأسرة، ولا يلزم سوء النية للطعن في الاشتراط بالدعوى البوليصية (وهي دعوى عدم نفاذ التصرف وفقاً للمادة 192 قانون مدني).
ب-وأما إذا كانت العلاقة معاوضة:  كوفاء دين مثلاً، طبقت عليها القواعد القانونية الخاصة بحسب الأحوال، فقد يكون غرض المشترط إقراض المنتفع بطريق الاشتراط...إلخ، وللمنتفع أن يقبل الإشتراط في مدة معقولة، فإذا قبل المنتفع الإشتراط وجب أن يعلن قبوله للمتعهد أو للمشترط ليعلم به[52].
      إذن تختلف العلاقة بين المشترط والمنتفع باختلاف ما إذا كان الاشتراط للمنتفع بعوض أو تبرعاً. فإذا كان المشترط يتقاضى من المنتفع عوضاً، كما إذا كان بائعاً واشترط على المشتري أن يدفع الثمن لأحد دائنيه، فيجب أن تتوافر لديه أهلية التمييز لأن التصرف من التصرفات الدائرة بين النفع والضرر، كما أنه لا يجوز لدائنيه أن يطعنوا في اشتراطه بالدعوى البوليصية إلا إذا أثبتوا الغش في جانبه وجانب المتعهد.
أما إذا كان التصرف تبرعاً للمنتفع، فيجب أن تتوافر لديه أهلية التبرع أي أن يكون رشيداً، ولدائني المشترط أن يرفعوا الدعوى البوليصية ضد تصرفه التبرعي دون حاجة إلى إثبات غش[53].

ثالثاً:العلاقة بين المتعهد والمنتفع.

       وهي العلاقة الأساسية التي ينشئها الاشتراط لمصلحة الغير وتخصه بطابع يميزه عن غيره من ضروب التعاقد[54]، يتجلى في هذه العلاقة أهم طابع يميز الاشتراط لمصلحة الغير، في الخروج على قاعدة نسبية أثر العقد، ويترتب عليها أن المنتفع يكسب حقاً مباشراً من عقد الاشتراط، وهذا الحق يكون قابلاً للنقض من جانب المشترط، وذلك إلى أن يظهر المنتفع رغبته في الاستفادة من الاشتراط[55]. رأينا أن المادة 116 تقضي بأن حق المنتفع ينشأ مباشرة من عقد الاشتراط، ويترتب في ذمة المتعهد دون حاجة إلى إعلان منه للمنتفع، ويكون لهذا الأخير أن يطالب المتعهد بالوفاء بالتزامه، أي أنه يصبح دائناً للمتعهد من يوم الاشتراط، وحتى قبل إعلانه رغبته في الاستفادة من الاشتراط، كما أن للمتعهد أن يتمسك ضد المنتفع بالدفوع التي تترتب على المشارطة، من بطلان أو فسخ أو انقضاء. ويترتب على هذه العلاقة بين المتعهد والمنتفع ما يلي[56]:
أ-حق مباشر وشخصي ينشأ للمنتفع: يكسب المنتفع من الاشتراط لمصلحته حقاً مباشراً قبل المتعهد، مصدره عقد الاشتراط. وهذا الحق المباشر هو حق شخصي للمنتفع يخوله أن يرفع دعوى مباشرة يطالب فيها المتعهد بالوفاء بما التزم به. وقد نصت المادة 116 فقرة 2 من القانون المدني في هذا المعنى بأنه: " ويترتب على هذا الاشتراط أن يكسب الغير حقاً مباشراً قبل المتعهد بتنفيذ الاشتراط يستطيع أن يطالبه بوفائه، ما لم يتفق على خلاف ذلك، ويكون لهذا المدين أن يحتج ضد المنتفع بما يعارض مضمون العقد."[57].
ويترتب على أن للمنتفع حقاً مباشراً لا يتلقاه من المشترط ما يأتي:
-هذا الحق يكون للمنتفع من يوم إبرام عقد الاشتراط، لا من وقت قبول المنتفع للإشتراط؛ وهو ينشأ مباشرة من العقد، كما لو كان المنتفع طرفاً أصيلاً في العقد (المادة 116 فقرة 1 قانون مدني). ويثبت له هذا الحق وفقاً للحدود التي جاءت في عقد الاشتراط.
لذلك يكفي أن تتوافر في طرفيه الأهلية في ذلك الوقت، وإذا فقد المتعهد أهليته ما بين إبرام العقد وصدور رغبة المنتفع فلا يكون هذا مانعاً للمنتفع من أن يعلن عن رغبته[58].
-هذا الحق المباشر يخول للمنتفع أن يطالب المتعهد بتنفيذ ما اشترط لمصلحته، وذلك دون وساطة، ما لم يتفق على خلاف ذلك (المادة 116 فقرتين 2 و3 مدني)؛ ولدائني المنتفع المطالبة بحقه في الإشتراط، إذا كان معاوضة، ولا شأن لدائني المشترط بهذا الحق. فإن الاشتراط لمصلحة الغير ينتج أثره مباشرة لمصلحة هذا الغير، وتكون له الصفة في أن يتقاضى بإسمه الملتزم بتنفيذ ما التزم به، متى كان ذلك سبباً لاتفاق أبرم معاوضة أو بسبب التبرع لمنفعة الواعد[59]، بما أن المنتفع قد أصبح دائناً من يوم الاشتراط، فإنه يشارك جميع دائني المتعهد في ضمانهم العام: ويتقاسم الجميع هذا الضمان قسمة غرماء[60].
-إن المنتفع لا يكون مخاطباً بإيجاب ولكن مستفيداً، أي بمعنى منتفعاً من عقد الاشتراط. ومن هنا، فإن حقه لا يتأثر بوفاة أي من المتعهد والمشترط (أو كليهما) أو فقده أهليته.
-ولما كان المنتفع مستفيداً وليس طرفاً، فإنه لا يكون له أن يرفع دعوى فسخ المشارطة جزاء عدم تنفيذ المتعهد، ذلك أن طلب الفسخ قاصر على طرفي العقد فقط.
-ليس لدائني المشترط شأن بهذا الحق المباشر، حال حياته أو بعد وفاته بل ينفرد به المنتفع وحده، فلا يستطيع دائني المشترط التنفيذ على هذا الحق، لأنه نشأ مباشرة للمنتفع، وهو المعنى المستفاد من المادة 117 فقرة 1 مدني التي تنص على أنه: "يجوز للمشترط دون دائنيه أو ورثته أن ينقض المشارطة، قبل أن يعلن المنتفع إلى المتعهد أو إلى المشترط رغبته في الإستفادة منها، ما لم يكن ذلك مخالفاً لما يقتضيه العقد.".
-يستطيع المتعهد أن يتمسك قبل المنتفع بجميع الدفوع الجائزة في عقد الاشتراط، التي تنشأ عن العقد، كالبطلان أو الفسخ، ولدائنيه أن يتمسكوا ضد المنتفع بالدفوع المترتبة على الاشتراط[61].
-إذا نص العقد على أن يكون للمتعهد حق نقض المشارطة، أمكن له أن يفعل ذلك، ولا يسوغ للمنتفع أن يتضرر، إذ أنه يتلقى الحق بقيوده التي يتضمنها العقد (المادة 116 فقرة 3 قانون مدني)[62].

الفرع الخامس: نقض الاشتراط لمصلحة الغير .

أولاً: جواز نقض الاشتراط.

     إن المستفيد من الاشتراط يكتسب حقه مباشرة من عقد الاشتراط، غير أن حقه هذا قابل للنقض إلى أن يصدر منه إقرار لهذا الحق، فيجوز للمشترط قبل قبول المنتفع للاشتراط أو بعد أن يقبله الاشتراط أن يستبقي الحق لنفسه[63]، إذ تنص الفقرة الأولى من المادة 117 على أنه "يجوز للمشترط دون دائنيه أو ورثته أن ينقض المشارطة، قبل أن يعلن المنتفع إلى المتعهد أو إلى المشترط رغبته في الاستفادة منها، ما لم يكن ذلك مخالفاً لما يقتضيه العقد".
فيستطيع المشترط وحده، دون دائنيه أو ورثته، نقض الإشتراط، بأن ينقض حق المنتفع، قبل أن يعلن هذا الأخير قبوله إلى المتعهد؛ أي إلى أن يظهر هذا رغبته في الاستفادة من الاشتراط.
ومن ثم يرجع النقض لاعتبارات خاصة بالمشترط، فهو حق شخصي له، ولا يجوز لدائنه استعماله باسمه، ولا ينتقل بوفاته إلى ورثته. وليس لنقض الإشتراط شكل خاص في القانون المدني. فقد يكون النقض صريحاً     أو ضمنياً؛ ويجوز أن يوجه إلى المنتفع أو إلى المتعهد، وإن كان يجب على كل حال إعلانه إلى هذا الأخير ليمتنع عن الوفاء بالتزامه للمنتفع.
ولا يترتب على نقض المشارطة أن تبرأ ذمة المتعهد قبل المشترط، إلا إذا اتفق صراحة أو ضمناً على خلاف ذلك، وللمشترط إحلال منتفع آخر محل المنتفع الأول؛ كما له أن يستأثر لنفسه بالإنتفاع من المشارطة (المادة 117 فقرة 2 قانون مدني).
ولا ينقضي حق النقض إلا بصدور إقرار المنتفع، وإقراره هذا هو الذي يثبت له حقه المباشر والشخصي، من وقت إبرام عقد الاشتراط لا من وقت إقراره؛ فإذا قبل المنتفع الإشتراط لم يكن للمشترط نقض الإشتراط. وللمنتفع أن يقر حقه في أي وقت شاء، ما دام المشترط لم ينقضه إلى أن يسقط بالتقادم. ويعتبر نقض الحق واقراره ورفضه عملاً قانونياً من جانب واحد، أما إذا رفض المنتفع الحق الذي اشترط لمصلحته، آل الحق إلى المشترط أو إلى ورثته الشرعيين من وقت الاشتراط[64].
ويثبت حق النقض للمشترط، إلا إذا نزل عنه أو كانت طبيعة العقد تقتضي ألا يكون للمشترط حق النقض، كما هو الحال في التأمين على الأشياء لصالح من تثبت له ملكيتها، أو كون حق المنتفع هبة لا يجوز للواهب الرجوع فيها. وقد يقتضي الاتفاق وطبيعة العقد ألا يستعمل المشترط حقه في النقض إلا بموافقة المتعهد إذا كانت للأخير مصلحة في تنفيذ الالتزام للمنتفع، كما إذا باع شخص عقاراً مرهوناً واشترط على المشتري دفع بعض الثمن سداداً للدين المضمون بالرهن[65].

ثانياً: وجوب إظهار المنتفع رغبته في الاستفادة من الاشتراط.

      يستطيع المستفيد من الاشتراط أن يعلن رغبته في الإفادة منه في أي وقت شاء، ما دام لم ينقضه      أو يسقط حقه بالتقادم[66].
ينتهي حق المشترط في النقض إذا أظهر المنتفع رغبته في الاستفادة من الاشتراط، فيجب أن يظهر المنتفع هذه الرغبة حتى يستقر حقه، فإذا صدر نقض من المشترط، وظهرت رغبة من المنتفع، دون أن يعلم أحدهما بموقف الآخر؛ فلا تكون العبرة بتاريخ صدور النقض أو إظهار الرغبة، بل بالأسبقية في إعلان أيهما إلى المتعهد.
وقبول المنتفع للاشتراط لا يكسبه الحق، لأن هذا الحق قد ثبت له من وقت انعقاد عقد الاشتراط. ولذا يكون المقصود من القبول هو حرمان المشترط من حق نقض المشارطة من ناحية، وعدم فرض الحق الناشىء منها على المنتفع رغما عنه من ناحية أخرى.
فالقبول تصرف قانوني يترتب عليه تثبيت حق المنتفع بعد أن كان قلقاً غير مستقر، ولا يشترط في القبول أن يتخذ شكلاً معيناً، ولا يعتبر سكوت المنتفع عن إعلان رأيه رفضاً للإشتراط (المادة 68 فقرة 2 قانون مدني). كما أنه ليس هناك مدة يتعين فيها على المنتفع إبداء رأيه فيها بالقبول أو الرفض، إلا إذا كان المشترط قد حدد هذه المدة في عقد الاشتراط أو في إعلان لاحق للمنتفع. وفي هذه الحالة إذا انقضت المدة المحددة دون أن يعلن المنتفع قبوله يعتبر رافضاً للاشتراط قانوناً.
وللمنتفع أن يرفض الاشتراط، وفي هذه الحالة ينصرف حقه إلى المشترط أو إلى ورثته من وقت العقد. ويجوز للمشترط عند رفض المنتفع أن يعين منتفعاً آخر يحل محل الأول، ويثبت حقه من وقت العقد لا من وقت التعيين.
وقد ذهب فريق من الفقهاء ههنا، إلى أنه يجوز لدائني المنتفع أن يطعنوا في هذا الرفض بالدعوى البوليصية، أي دعوى عدم النفاذ إذا توافرت شروطها القانونية، لأن رفض المنتفع هو تصرف قانوني مفقر، قد يكون مؤثراً في ضمانه العام، إذ يؤدي إلى إنقاص حقوقه، بعد أن وجد الحق منذ صدور عقد الاشتراط. في حين يرى فريق آخر أن مثل هذا الطعن لا يجوز، لأن الحق في الرفض من الحقوق المتعلقة بالشخص، ولأن حق المنتفع لم يستقر في ذمته بصفة نهائية؛ كما أنه يستلزم قانوناً لرفع الدعوى البوليصية أن يكون حق الدائن قد أصبح حالاً ومستحق الأداء وخالياً من النزاع، لكونها تمهد لإجراءت التنفيذ (المادة 291 قانون مدني) [67].
والحقيقة أنه يجب التفرقة في هذه المسألة بين: ما إذا كان الاشتراط تبرعاً أو معاوضة. ففي الحالة الأولى لا يجوز الطعن، لأن تقدير المنتفع للقبول أو الرفض يقوم على اعتبارات شخصية أو أدبية، إذ أن هناك نفوساً تعاف التبرع. أما في الحالة الثانية فإن الطعن يجوز، لعدم وجود مثل هذه الاعتبارات.
وعليه فإنه حيث يسكت المنتفع، يكون لدائنه أن يستعمل حقه في الإقرار عن طريق الدعوى غير المباشرة، إذا كان للإشتراط معاوضة بالنسبة له؛ فيكون نائباً عنه قانوناً في المطالبة بحقوقه التي لم يقم باستعمالها (المادة 198 و190 قانون مدني). أما لو كان تبرعاً فإن حق الإقرار يكون حقاً متصلاً بشخصه، فلا يجوز بالتالي لدائنه أن يستعمله نيابة عنه.
وعلى كل حال فإن حق المنتفع (المستفيد) هو حق شخصي ومباشر لا يمر بذمة المشترط كما أشرنا؛ ومن ثم فلا شأن لدائني المشترط بهذا الحق. وأما دائني المتعهد، فإنهم يتزاحمون مع المنتفع للتنفيذ على أموال المتعهد؛ وللمتعهد ولدائنيه أن يتمسكوا ضد المنتفع بالدفوع المترتبة على الاشتراط[68].


المطلب الثالث: الدعوى المباشرة.

       لاعتبارات ترجع إلى العدالة يكون من حق الأجنبي أن يرفع دعوى مباشرة على أحد طرفي العقد، وفي هذا استثناء بنص القانون، والواقع أن الدعوى المباشرة تندرج ضمن الطرق الكفيلة بضمان حقوق الدائنين، وفيها يحظى الدائن بحماية خاصة من المشرع، فهي استثناء بنص القانون، وتتمثل في مطالبة الدائن لمدين مدينه بالوفاء بما عليه، ومنها دعوى المؤجر على المستأجر الفرعي[69]، وسنتناول في هذا المطلب الأخير المقصود بالدعوى المباشرة في فرع أول، ثم تطبيقاتها في القانون المدني الجزائري في الفرع الثاني.

الفرع الأول: المقصود بالدعوى المباشرة.

        الدعوى المباشرة هي الدعوى التي يرفعها الدائن على مدين مدينه، باسمه الشخصي ولحسابه الخاص، ومن هنا فإن الدعوى المباشرة هي الأخرى، تعتبر خروجاً حقيقياً على القواعد العامة المقررة من ناحيتين:

أولا: فهي تمثل خروجاً على مبدأ نسبية العقد.

       إذ بواسطتها يستطيع أجنبي عن العقد لم يكن طرفاً فيه، أن يطالب أحد المتعاقدين بتنفيذ الإلتزام الناشىء عنه لمصلحته بدل الوفاء به للمتعاقد الآخر. فهو ينتفع من عقد لم يكن طرفا فيه، وهذا الانتفاع عبارة عن اكتسابه حقاً مباشراً من هذا العقد.

 ثانياً: تمثل خروجاً أيضاً على مبدأ المساواة بين الدائنين العاديين.

       إذ بمقتضى هذه الدعوى يستأثر الدائن الذي رفعها بامتياز على الدين الذي في ذمة مدين المدين؛ فيتيسر للدائن أن يأمن بها مزاحمة غيره من الدائنين الذين لم تقرر لهم هذه الدعوى. ومعنى هذا أنه يتقدم هؤلاء الدائنين العاديين، كما لو كان لديه سبب قانوني من أسباب الأولوية أو الأفضلية في الاستيفاء[70].
إن الدائن في استعماله للدعوى غير المباشرة يمارس حق المدين باسم هذا الأخير ونيابة عنه، ويشاركه في الحق الذي حافظ عليه باقي الدائنين، وبالتالي يتعرض لقسمة الغرماء، مما يؤدي إلى حصوله على بعض حقه فقط[71].
ومن ثمّ فإن القانون المدني وفر للدائن حماية خاصة، وهي الدعوى المباشرة، التي تخول للدائن أن يرفع على مدين مدينه، دعوى مباشرة يستأثر فيها بالحق، يرفعها الدائن باسمه شخصياً لا باسم مدينه، مطالباً بالحق من مدين مدينه مباشرة (أي ما له من حق قبل المدين الأصلي)، دون أن يتعرض لمزاحمة باقي دائني هذا المدين، مما يعد خروجاً على قاعدة المساواة بين الدائنين. فيصبح الدائن رافع الدعوى المباشرة، بمثابة دائن له إمتياز على هذا الحق، ويتقدم جميع الدائنين ليستوفي حقه.
غير أنه قبل رفع الدعوى المباشرة فإنه يتعين على الدائن رافع الدعوى أن يقوم بإنذار المدعى عليه (وهو مدين مدينه) بالوفاء بالحق المطالب به (وهو الحصول على ما هو ثابت في ذمة الأخير للمدين الأصلي)، وضرورة وجود إرتباط بين التزام مدين المدين إزاء المدين الأصلي، وبين التزام الأخير إزاء دائنه. ومن هنا يظهر لنا جلياً، الدعوى المباشرة كوسيلة من وسائل التنفيذ، فتحقق ذلك ببساطة وسرعة في الإجراءات، لا تحققها الدعوى غير المباشرة.
والدعوى المباشرة لا تتقرر في ظل القانون، إلا بوجود نص تشريعي خاص، باعتبارها حماية خاصة استثنائية، تقوم على فكرة حق الإمتياز. فهي في الحقيقة ضمان خاص، أو نوع من أنواع التأمين التي أنشأنها القانون، حيث يطالب الدائن باسمه الشخصي بحقوق مدين مدينه، فينتقل حق المدين إلى ذمة الدائن مباشرة، ولا يمر بالتالي بذمة المدين. الأمر الذي دعا بعض الفقهاء في فرنسا إلى القول بأن ثمة اتجاها إلى مد آثار العقد إلى ما يجاوز عاقديه.
وبالنظر إلى هذه الصفة الاستثنائية للدعوى المباشرة، فإنها لا تقرر إلا بمقتضى نص خاص في القانون. أما حيث لا يوجد نص خاص في القانون، فإنه لا يكون أمام الغير إذا أراد مطالبة مدين مدينه، إلا اللجوء إلى الدعوى غير المباشرة (المادة 189 و190 قانون مدني)[72].


الفرع الثاني: تطبيقات للدعوى المباشرة في القانون المدني.

من أهم الحالات القانونية للدعوى المباشرة التي أوردها القانون المدني الجزائري، نذكر على الخصوص ما يلي:
أ-دعوى المؤجر قبل المستأجر من الباطن أو الفرعي، للحصول على أجرة العين المؤجرة، من المبالغ التي تكون في ذمة هذا الأخير للمستأجر الأصلي.
فإنه بدعوى المؤجر على المستأجر من الباطن أو المستأجر الفرعي يكون المستأجر من الباطن ملزماً قانوناً، بأن يؤدي للمؤجر مباشرة ما يكون ثابتاً في ذمته من التزامات ناشئة من عقد الإيجار، للمستأجر الأصلي وقت أن ينذره المؤجر[73].
ب-دعوى العمال والمقاولين من الباطن ضد رب العمل، لمطالبة هذا الأخير مباشرة، بما لا يتجاوز القدر الذي يكون مدينا به للمقاول الأصلي، وقت رفع الدعوى؛ حيث يستطيع العمال بموجبها أن يطالبوا بما في ذمة رب العمل للمقاول.
ج-الدعوى بين الموكل ونائب الوكيل، بأن يرجع كل منهما مباشرة على الآخر. فإنه عند وجود عقد الوكالة من الباطن بين الوكيل ونائبه، يستطيع نائب الوكيل الرجوع مباشرة على الموكل بجميع حقوق الوكيل (المادة 580 قانون مدني)؛ وكذلك الأمر بالنسبة لنائب الفضولي (المادة 154 قانون مدني).
د-الدعوى المباشرة على شركة التأمين من طرف المصاب المضرور في حادث المرور، وهو التأمين الإلزامي الإجباري لتغطية الأضرار التي تلحق الغير من جراء حوادث المرور؛ في عقد التأمين المبرم بين المسؤول عن هذا الحادث وشركة التأمين المؤمنة، رغم أن المضرور لم يكن طرفاً فيه، للمطالبة بما في ذمتها للمسؤول المدني (المؤمن له).
-الدعوى المباشرة من صاحب العمل ضد نائب الفضولي، وهو ما تقتضي به المادة 154 فقرة 2 و3 قانون مدني، على أنه: يجوز لصاحب العمل رفع دعوى مباشرة ضد نائب الفضولي الذي عهد إليه الفضولي بكل العمل أو ببعضه؛ فإذا تعدد الفضوليون في القيام بعمل واحد، كانوا متضامنين في المسؤولية[74].



[1] : علي علي سليمان، المرجع السابق، ص 89.
[2] فتحي عبد الرحيم عبد الله، مرجع سابق، ص 289.
[3] : وقد جاءت صياغة هذه المادة معيبة، رغم تعديلات 2005، لأنها تقتصر على بيان الصفة الإستثنائية للحق الذي ينشأ مباشرة للغير، عن عقد لم يكن الأخير طرفاً فيه؛ فهي لا تزال تفتقر إلى الدقة والوضوح.
[4] : بلحاج العربي، مرجع سابق، ص 704.
[5] : علي علي سليمان، مرجع السابق، ص 89.
[6] فتحي عبد الرحيم عبد الله، مرجع سابق، ص 290، 291.
[7] : علي علي سليمان، مرجع السابق، ص 90.
[8] : بلحاج العربي، مرجع سابق، ص 708.
[9] : بلحاج العربي، مرجع سابق،  ص 709.
[10] فتحي عبد الرحيم عبد الله، مرجع سابق، ص 291.
[11] : بلحاج العربي، مرجع سابق، ص 710.
[12] : فتحي عبد الرحيم عبد الله، مرجع سابق، ص 292.
[13] : بلحاج العربي، مرجع سابق، ص 711.
[14] : بلحاج العربي، مرجع سابق، ص 714.
[15] : فتحي عبد الرحيم عبد الله، مرجع سابق، ص 292.
[16] : بلحاج العربي، مرجع سابق، ص 714.
[17] فتحي عبد الرحيم عبد الله، مرجع سابق، ص 295.
[18] : بلحاج العربي، مرجع سابق، ص 714.
[19] : علي علي سليمان، المرجع السابق، ص 91.
[20] : تنص المادة 116 على أنه "يجوز للشخص أن يتعاقد باسمه على التزامات يشترطها لمصلحة الغير، إذا كان له في تنفيذ هذه الالتزامات مصلحة شخصية مادية أو أدبية. ويترتب على هذا الاشتراط أن يكسب الغير حقاً مباشراً قبل المتعهد بتنفيذ الاشتراط يستطيع أن يطالبه بوفائه، ما لم يتفق على خلاف ذلك، ويكون لهذا المدين أن يحتج ضد المتفع بما يعارض مضمون العقد وصحته، وأن يتمسك ضد المنتفع بالدفوع التي تنشأ عن العقد. ويجوز كذلك للمشترط أن يطالب يتنفيذ ما اشترط لمصلحة المنتفع إلا إذا تبين من العقد أن المنتفع وحده هو الذي يجوز له ذلك"
[21] : بلحاج العربي، مرجع سابق، ص 716 .
[22] : علي علي سليمان، المرجع السابق، ص 91.
[23] : بلحاج العربي، مرجع سابق، ص 717.
[24] : بلحاج العربي، مرجع سابق، ص 719.
[25] : علي علي سليمان، المرجع السابق، ص 91.
[26] : بلحاج العربي، مرجع سابق، ص 719.
[27] : علي علي سليمان، المرجع السابق، ص 97.
[28] :لم يتوصل القانون الروماني إلى إقرار قاعدة الاشتراط لمصلحة الغير، والتي مفادها أن شخصاً يقال له "المنتفع" يكسب حقاً مباشراً من عقد لم يكن طرفاً فيه، إلا في أواخر مراحله التاريخية، وفي حالات استثنائية ضيقة ومحددة. فقد كان الأصل لدى الفقهاء في روما أنها غير جائزة، لتصادمها مع المبدأ الأساسي المتعلق بنسبية أثر العقد، فلا يلزم إلا أطرافه.
وقد انتقلت هذه التحفظات والحالات الاستثنائية إلى القانون الفرنسي القديم، ثم جاء القانون المدني الفرنسي (تقنين نابليون) فنص على القاعدة العامة التي أخذ بها القانون الروماني والقانون الفرنسي القديم، والتي تنص على أنه لا يجوز لمتعاقد أن يشترط باسمه إلا لنفسه (المادة 1119 مدني فرنسي)، واستثنى من هذه القاعدة حالتين ذكرتهما المادة 1121 ، وهما: حالة إذا ما وهب المشترط شيئاً للمتعهد، واشترط عليه مقابل ذلك حقاً لأجنبي من العقد وهو المستفيد، وهي الهبة بشرط؛ وحالة ما إذا صدر من المشترط عقد معاوضة اشترط فيه حقاً لنفسه، وقرن ذلك باشتراط حق محدد للغير.
وقد وصل الفقه والقضاء في فرنسا إلى إجازة الاشتراط وفق شروط محددة، وكذا إجازة الإشتراط لمصلحة شخص غير معين، أو غير موجود؛ ما دام أن التعيين مستطاع وقت أن ينتج العقد أثره القانوني، وهذا الحل يتماشى مع النظرية المادية للالتزام التي لا تتطلب وجود الدائن وقت صدور العقد، وتكتفي بوجوده عند التنفيذ. وهكذا فإن القضاء نزولاً على مقتضيات الحياة توسع في تفسير النصوص المتعلقة بقاعدة الاشتراط لمصلحة الغير.

[29] : علي علي سليمان، المرجع السابق، ص 97.
[30] فتحي عبد الرحيم عبد الله، مرجع سابق، ص 295.
[31] : بلحاج العربي، مرجع سابق، ص 724.
[32] : علي علي سليمان، المرجع السابق، ص 93، 94.
[33] : بلحاج العربي، مرجع سابق، ص 724.
[34] : فتحي عبد الرحيم عبد الله، مرجع سابق، ص 296.
[35] : علي علي سليمان، المرجع السابق، ص 96.
[36] : بلحاج العربي، مرجع سابق، ص 726.
[37] : علي علي سليمان، المرجع السابق، ص 93، 94.
[38] : بلحاج العربي، مرجع سابق، ص 726.
[39] فتحي عبد الرحيم عبد الله، مرجع سابق، ص 298.
[40] : بلحاج العربي، مرجع سابق، ص 726.
[41] : فتحي عبد الرحيم عبد الله، مرجع سابق، ص 299.
[42] : بلحاج العربي، مرجع سابق، ص 730.
[43] : علي علي سليمان، المرجع السابق، ص 93، 94.
[44] : بلحاج العربي، مرجع سابق، ص 730.
[45] فتحي عبد الرحيم عبد الله، مرجع سابق، ص 300.
[46] : بلحاج العربي، مرجع سابق، ص 730.
[47] فتحي عبد الرحيم عبد الله، مرجع سابق، ص 301.
[48] : علي علي سليمان، المرجع السابق، ص 93، 94.
[49] فتحي عبد الرحيم عبد الله، مرجع سابق، ص 301.
[50] : وتخضع الهبة لشروط موضوعية وشروط شكلية، ولا تخضع لهذه الشكلية الهبات اليدوية، كما لا تطبق على سوى الهبات المباشرة، أما إذا تحققت الهبة بإجراء غير مباشر، كالإبراء من الدين، أو التنازل عن الحق، أو الاشتراط لمصلحة الغير، فلا يتطلب أي شكل خاص، لأننا نكون أمام هبة غير مباشرة، وعلى ذلك فلا يخضع الاشتراط لمصلحة الغير لأي شكلية، حتى ولو استخدم لتحقيق عمل تبرعي، ومع ذلك فالشروط الموضوعية المتطلبة لصحة التبرعات قتنطبق خصوصاً تلك التي تتعلق بأهلية الوجوب وأهلية الأداء، أنظر: فتحي عبد الرحيم عبد الله، مرجع سابق، ص 296.
[51] : بالرجوع إلى قانون الأسرة ينص على عدم جواز الرجوع في الهبة إلا استثناءاً في المادة 211 خاص بحق الأبوين في الرجوع في الهبة لولدهما،إلا أنه هناك موانع أو قيود تمنع الأبوين من الرجوع هي: الهبة من أجل زواج الموهوب له، الهبة لضمان قرض أو قضاء دين، تصرف الموهوب له في الهبة، ذا ضاع منه الشيء الموهوب أو أدخل عليه تغييراً في طبيعته.

[52] : بلحاج العربي، مرجع سابق، ص 730.
[53] : علي علي سليمان، المرجع السابق، ص 93، 94.
[54] : فتحي عبد الرحيم عبد الله، مرجع سابق، ص 302.
[55] : بلحاج العربي، مرجع سابق، ص 731.
[56] : علي علي سليمان، المرجع السابق، ص 95، 96.
[57] : بلحاج العربي، مرجع سابق، ص 731.
[58] فتحي عبد الرحيم عبد الله، مرجع سابق، ص 302.
[59] : بلحاج العربي، مرجع سابق،  ص 733.
[60] : علي علي سليمان، المرجع السابق، ص 95، 96.
[61] : علي علي سليمان، المرجع السابق، ص 95، 96.
[62] : بلحاج العربي، مرجع سابق،  ص 733.
[63] فتحي عبد الرحيم عبد الله، مرجع سابق، ص 305.
[64] : بلحاج العربي، مرجع سابق،  ص 735.
[65] : فتحي عبد الرحيم عبد الله، مرجع سابق، ص 305.
[66] فتحي عبد الرحيم عبد الله، المرجع نفسه، ص 306.
[67] : علي علي سليمان، المرجع السابق، ص 95، 96.
[68] : بلحاج العربي، مرجع سابق، ص.ص 736-738.
[69] : دنوني هجيرة، محاضرات في تنفيذ العقود، كلية الحقوق والعلوم السياسية، تلمسان، الجزائر، 2015، غير منشور.
[70] : بلحاج العربي، مرجع سابق،  ص 740.
[71] : بلحاج العربي، مرجع سابق،  ص 740.
[72] : بلحاج العربي، مرجع سابق،  ص 741.
[73] :   أشار المشرع الجزائري إلى الحالة التي يقوم فيها المؤجر بنقل ملكيته بأي تصرف ناقل للملكية كالبيع،الهبة،المقايضة في المادة 469 مكرر 3 من القانون المدني،بحيث تقضي أنه" إذا انتقلت ملكية العين المؤجرة إرادياً أو جبراً يكون الإيجار نافذاً في حق من انتقلت إليه الملكية"،فلا يمكن للمتصرف إليه (صاحب الحق الموالي أو اللاحق لعقد الإيجار) أن يطالب المستأجر بالإخلاء إذا كان مسكناً إلى حين انتهاء مدة الإيجار،فإذا كان عقد الإيجار عرفياً فلا يكون له حجية على المتصرف إليه إلا إذا كان ثابت التاريخ و سابق على ثبوت حق المتصرف إليه ما دام المتصرف إليه حسن النية،و في هذه الحالة يلتزم المستأجر بدفع الأجرة إلى المتصرف إليه و ليس إلى المالك السابق،أما إذا قام المستأجر بالوفاء مقدماً ببدل الإيجار إلى المؤجر فإنه يمكنه أن يحتج إزاء من انتقلت إليه الملكية بهذا الوفاء المعجل،و ما على المتصرف إليه إلا الرجوع على المؤجر (بدعوى الإثراء بلا سبب)،إلا أنه في حالة ثبوت علم المستأجر بانتقال الملكية وقت الوفاء ببدل الإيجار فلا يجوز له الاحتجاج بهذا الوفاء في مواجهة المتصرف إليه، قماز ليلى، محاضرات في العقود الخاصة، كلية الحقوق والعلوم السياسية، تلمسان الجزائر، 2014، غير منشور.
[74] : بلحاج العربي، مرجع سابق،  ص 743، 744.


EmoticonEmoticon